Start of Main Content

دان بار أون

بعد خمسين عامًا من انتهاء الحرب العالمية الثانية، بدأ اختصاصي علم النفس الإسرائيلي دان بار أون في جمع الأطفال الناجين من الهولوكوست مع أطفال مرتكبي الجرائم النازيين من أجل إجراء الحوار والتفكير.

نسخة كاملة مكتوبة

دان بار أون: لقد مر الناجون بوقت عصيب للغاية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. وقد بدأت أدرك مدى ارتباط المشكلات التي أراها في الحياة اليومية في إسرائيل بالقضايا العالقة من الهولوكوست، سواء بين الناجين، أو الأكثر من ذلك بين أطفالهم. لذلك، فأنا أعتقد أنه عندما تمت ولادة هؤلاء الأطفال في تلك العائلات في وقت لاحق، يمكنني وصف ما حدث لهم باستخدام تعبير "الجدار المزدوج". فقد بنى الناجون جدارًا عاطفيًا بين تجاربهم في الماضي، وقد شعر أطفالهم بذلك فبنوا جدارهم الخاص بجانب جدار والديهم.

دانيال جرين: بعد خمسين عامًا من انتهاء الحرب العالمية الثانية، بدأ اختصاصي علم النفس الإسرائيلي دان بار أون في جمع الأطفال الناجين من الهولوكوست مع أطفال مرتكبي النازية من أجل الحوار والتفكير. وعلى مدار خمس سنوات، وجد أعضاء المجموعة أنهم يشتركون في الكثير من القواسم المشتركة، وخاصةً جدران الصمت بين أنفسهم وآبائهم ومجتمعاتهم. وقد أوحت فكرة بناء الثقة، من خلال ما يسميه بار أون باسم "اللقاءات المستحيلة"، إلى المجموعة أن يتطلعوا إلى المساعدة في علاج النزاعات المعاصرة.

مرحبًا بكم في "آراء حول معاداة السامية"، وهي حلقات مجانية لنشرة صوتية يتم بثها عبر الإنترنت، مأخوذة من المتحف التذكاري للهولوكوست في الولايات المتحدة، والتي خرجت إلى النور بفضل الدعم السخي المقدم من "مؤسسة أوليفر وإليزابيث ستانتون". معكم دانيال جرين. إننا نقوم بدعوة ضيف كل أسبوعين للتحدث حول العديد من الطرق التي تؤثر بها معاداة السامية والكراهية على عالمنا اليوم. وضيفنا اليوم هو اختصاصي علم النفس، دان بار أون.

دان بار أون: كانت لي تجربة شخصية وحيدة، فقد كنت أحضر مؤتمرًا في أوسلو، والتقيت بامرأة هناك وقالت "لقد ولدت عام 1943 في فيينا."

فقلت لها "ماذا، شخص يهودي ولد في فيينا في عام 1943؟"

فردت قائلة "لم أكن يهودية في ذلك الوقت".

لذلك، فقد شعرت بالفضول، وسألتها: "ما قصتك؟"

قالت "عندما كان عمري 16 عامًا، اكتشفت أن لدي عمة بعيدة والتي كانت نصف يهودية، وقد قُتلت عمتي في الهولوكوست، وكان رد فعلي على حدوث ذلك أن ذهبت إلى إسرائيل، وغيرت اسمي، وأصبحت يهودية".

وقد سألتها "لماذا قمت برد الفعل ذلك - فأنت حتى لا تعرفين تلك العمة؟"

وكان جوابها "لأنني كنت متأكدة من مشاركة أبي في جميع هذه الأمور الفظيعة. وكان رد فعلي هو أن أقطع علاقتي به فحسب."

وهذا ما جعلني في الواقع أفكر في: هل رد الفعل ذلك نموذجيًا؟ ولذلك فقد حاولت إيجاد بعض الكتابات الأدبية حول هذا الموضوع. ولم أتمكن من العثور على أي شيء. وفي الحقيقة فقد أصابني ذلك بالضيق، أعني أننا بالفعل نعرف بعض الأشياء عن أسر الناجين. ولكن لم يدرس أحد شيئًا عن أسر الجناة. فما السبب وراء ذلك؟

لذلك، فقد استغرق الأمر مني وقت طويلاً حتى قررت معرفة ذلك بنفسي. وبعد ذلك أخذت خطوة البداية عن طريق وضع إعلانات في الصحف الألمانية، ما كانت فكرة غريبة للغاية. وقُمت بتعريف نفسي، ثم ذكرت أنني أبحث عن أشخاص كان آباؤهم أفرادًا في القوات الخاصة، والذين شاركوا في اضطهاد وإبادة اليهود والأقليات الأخرى. وقد استطعت أن أجمع أكثر من تسعين اسمًا على مدار ثلاث سنوات.

أعتقد أنني قد استغرقت وقتًا طويلاً لكي أدرك أنهم في الواقع كانوا يعيشون أيضًا نوعًا من الإهمال، حيث لم يتمكنوا من الحديث مع أي أحد حول الماضي. وإذا كان أحد الأشخاص مهتمًا بسماعهم، فإنهم كانوا على استعداد لأن يتحدثوا معه عن ماضيهم.

إنها أزمة، أعني أنني رأيت ذلك فيمن قابلتهم. فبمجرد أن يكتشفوا هذا الأمر وأنهم لن يستطيعوا إبعاد أنفسهم عنه بعد الآن، فإنه يتحتم عليهم مواجهة مشكلة أن الأب أو الجد الذي يحبونه قد تورط في أعمال قتل بشعة. وأنه شارك فيها فعليًا. وإذا كنت ستبحث عن تفاصيل، فستجد في بعض الأحيان أنه كان يقوم بذلك طواعيةً، أو حتى كان يتمتع بذلك، أو أنها كانت أفضل فترة في حياته. لذلك، فأنا أظن أنه من المعقد للغاية معالجة تلك المشكلة، بل أعتقد أنه من المستحيل تقريبًا معالجتها. وأعتقد أنه لا يمكن الجمع بين هذين الجانبين لدى الأب معًا بعد الآن. وبالتالي، يمكنك فهم لماذا لا يرغب الكثير منهم في اكتشاف ذلك الأمر.

عندما التقوا مع بعضهم البعض، وكنت أنا الشخص الذي جمعهم؛ ثم شارك كل واحد منهم بقصته، وقرروا تكوين مجموعة المساعدة الذاتية الخاصة بهم. وقد فعلوا ذلك في السنوات الأربع التالية، فكانوا يجتمعون بانتظام في أماكن خاصة. وأعتقد أنهم كانوا شجعانًا للغاية، لأن هذه المجموعة كانت الوحيدة في ذلك الوقت التي اجتمعت تحت هذا المُسمى في ألمانيا. ويمكنكم القول إنه في حالة عدم وجود هذه الأقلية، فإننا نكون في ورطة.

ولذلك، بعد أن شاهدوا ما ارتكبوه من أعمال لمدة أربع أعوام، سألتهم في عام 1992 عما إذا كانوا على استعداد الآن لمقابلة مجموعة من أطفال الناجين من الهولوكوست. وقالوا "نعم."

لذلك، ما كان رائعًا في هذا الاجتماع هو أنهم قد بدأوا بشكل عفوي تمامًا في تبادل القصص مع بعضهم البعض من كلا الجانبين. وفي الحقيقة فقد وجدوا الكثير من أوجه التشابه بينهم فيما يجب عليهم أن يصارعوا مع — الصمت، وعدم المعرفة، ووجود آثار لاحقة، والشعور بالإقصاء عن خلفيتهم الشخصية، والشعور بقضية عدم الانتماء. أعني أن هذه الأمور دائمًا ما تتصل بطريقة أو بأخرى مع بعضها البعض.

وقد تعلمت حقًا من بعض هؤلاء الناس، كما أعجبت بشجاعتهم. وأعني كيفية تعاملهم مع هذا الأمر بصورة واضحة للغاية، ورغبتهم في مقابلة بعضهم البعض، ومقابلتهم مع اليهود على أساس أنهم يعرفون الأشياء التي اقترفها آباؤهم، وأنهم يتحملون المسؤولية وهو الأمر الذي لم يفعله آباؤهم. لقد كانوا في الحقيقة مجموعة مميزة جدًا من الأشخاص.

أعتقد أن نقطة التحول المثيرة جدًا بالنسبة لي حدثت في عام 1998 عندما كانت المجموعة على استعداد لأن يحضر المشاركون من الصراعات الحالية، وذلك مثل الفلسطينيين والإسرائيليين، وأشخاص من أيرلندا الشمالية، ومن جنوب إفريقيا، لنرى إذا كان ما فعلناه يتعلق بهم. لذلك، فإنني أظن أن تلك كانت المرة الأولى التي أمكنني فيها رؤية أن هذه أفراد المجموعة لديهم هدف ليس لأنفسهم فقط، ولكن أيضًا للأشخاص الآخرين.

تعلمت من خلال تلك العملية أنه يمكن أن يوجد الخير والشر في الشخص نفسه. لدينا العديد من التجارب المحتملة حيث وجد الخير والشر معًا، وفي الحقيقة كانا موجودين في الشخص نفسه بالقرب من بعضهم البعض عدة مرات. وقبل ذلك، كان لدي بعض الأفكار البسيطة جدًا، كالتي يمتلكها العديد من الإسرائيليين، وهي أننا نعد الأخيار لأننا كنا الناجين، بينما كانوا هم الأشرار، وكان يجب فعل ذلك مع شخصية وطنية، أو شيء من هذا القبيل. وكثيرًا ما يحدد الموقف في الحقيقة الجزء الذي سوف تظهره، كما أنك تُظهر في بعض الأحيان كلاً من الخير والشر متتاليين. أعني أن ذلك يوضح لك مدى تعقيد الحياة.

وقد قررت مواصلة العمل في سياق الوضع اليهودي-الألماني، بالإضافة إلى الانتقال إلى سياق الوضع الإسرائيلي-الفلسطيني وأنا لدي الوعي الكامل. وقد فعلت ذلك، فهناك طريقة محددة لكي أختبئ من نفسي الموجودة في الواقع. إننا لا نتحدث عن الهولوكوست فقط، ولكن هناك أمرًا جديدًا يحدث أيضًا. وكيف يمكنني ربطه بذلك؟

وقد تعلمت أمرًا يعد في غاية الصعوبة بالنسبة لي. أعني بذلك أنه في سياق الوضع اليهودي-الألماني، تمكنت من التحرك من "الجانب الجيد" وهنا وجدت فجأة وضعي حيثما أنا متهم بالمجيء من "الجانب السيئ." وكيف يمكنني معالجة ذلك؟

يتضمن هذا الموقف بعض الخصائص المختلفة بشكل كبير. أعني أنه لا يوجد في هذا الموقف اتفاق على من هم الضحايا ومن هم الجناة. حيث يشعر الفلسطينيون أنهم مضطهدون من قبل اليهود والاحتلال. بينما على الجانب الآخر، نخاف نحن اليهود من العالم الإسلامي الذي نحاول أن نعيش فيه.

ولكن إذا كنا نرغب حقًا أن نعيش في الشرق الأوسط وأن يكون ذلك بالقرب من الفلسطينيين، وأن نتقبلهم كشركاء، فيجب عليكم أن تجدوا طرقًا لبناء الثقة. وذلك الأمر صعب للغاية خاصةً في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، حيث يمتلك كل طرف أحلامًا بأنهم سوف يعيشون لوحدهم في تلك الأرض، بينما سيختفي الطرف الآخر. وسيكون إحداث توعية في المجتمع للانتقال من تلك الأحلام إلى حالة من التعايش تشبه ما نقترحه أمرًا بعيد المنال. وبالتالي فإن ذلك سيتطلب منا بذل الكثير من الجهد